أشاد الرئيس عبد الفتاح السيسى بالدور القيادى لألمانيا فى مواجهة تغير المناخ والتعامل مع آثاره، والذى ينعكس فى التزامها السياسى على أعلى مستوى بدعم عمل المناخ الدولى وتعزيز جهود التحول العادل نحو الاقتصاد الأخضر المتوافق مع البيئة.
جاء ذلك فى كلمته خلال افتتاح الجلسة رفيعة المستوى لحوار “حوار بطرسبرج للمناخ” للمناخ، وجاء نصها كما يلى:
فخامة السيد/ أولاف شولتز، مستشار جمهورية ألمانيا الاتحادية
السادة الحضور الكرام،
أود أن أعرب عن خالص التقدير للمستشار أولاف شولتز، المستشار الاتحادى لجمهورية ألمانيا الفيدرالية، وأن أشيد بالدور القيادى لألمانيا فى مواجهة تغير المناخ والتعامل مع آثاره، والذى ينعكس فى التزامها السياسى على أعلى مستوى بدعم عمل المناخ الدولى وتعزيز جهود التحول العادل نحو الاقتصاد الأخضر المتوافق مع البيئة. ولعل خير دليل على ذلك هو اجتماعنا اليوم في إطار حوار بيترسبرج، وهو المحفل الذي أصبح على مدار السنوات الماضية أحد المحطات المهمة قبل انعقاد مؤتمر أطراف تغير المناخ لما يمثله من فرصة للتشاور والتنسيق بين مجموعة كبيرة من الدول الفاعلة على صعيد جهود مواجهة تغير المناخ، ولحشد التوافق الدولى على المستوى السياسى حول الموضوعات المختلفة التى يتم التفاوض حولها خلال مؤتمرات الأطراف.
السيدات والسادة،
تستضيف مصر الدورة الـ27 لمؤتمر الأطراف هذا العام فى سياق عالمى يتسم بتحديات متعاقبة تأتى فى مقدمتها أزمة الطاقة العالمية الراهنة، وأزمة الغذاء التى تعانى الكثير من الدول النامية من تبعاتها، فضلاً عن تراكم الديون وضعف تدفقات التمويل والتأثيرات السلبية لجائحة كورونا، بالإضافة إلى المشهد السياسى المعقد الناجم عن الحرب فى أوكرانيا، وهو ما يضع على عاتقنا مسؤولية جسيمة كمجتمع دولى لضمان ألا تؤثر هذه الصعوبات على وتيرة تنفيذ رؤيتنا المشتركة لمواجهة تغير المناخ التى انعكست فى اتفاق باريس وتأكدت العام الماضى فى جلاسجو.
من هذا المنطلق، أود أن يتمحور حديثى معكم اليوم حول عدد من النقاط التى ترى مصر أهميتها كرئيس للدورة القادمة للمؤتمر، وفى إطار الجهود التى نبذلها فى هذا الصدد:
أولاً: تؤكد كل التقديرات والتقارير العلمية بشكل واضح أن تغير المناخ بات يمثل تهديداً وجوديا للكثير من الدول والمجتمعات على مستوى العالم على نحو لم يعد ممكناً معه تأجيل تنفيذ التعهدات والالتزامات ذات الصلة بالمناخ، خصوصا وقد أجمعت الأطراف كافة على أن الأولوية خلال المرحلة القادمة هي لتنفيذ اتفاق باريس وتحويل المساهمات المحددة وطنياً إلى واقع فعلى فى إطار المبادئ الدولية الحاكمة لعمل المناخ الدولى، وفى مقدمتها الإنصاف، والمسؤولية المشتركة متباينة الأعباء، والقدرات المتفاوتة للدول. لذا، فإن جانباً رئيسياً من جهد الرئاسة المصرية لمؤتمر الأطراف ينصب في الوقت الراهن على جعل قمة المناخ العالمية نقطة فارقة على صعيد عمل المناخ الدولى، بما يساهم فى الحفاظ على الزخم الدولى وتأكيد التزام كل الأطراف الحكومية وغير الحكومية بتحويل وعودها وتعهداتها إلى تنفيذ فعلى على الأرض، يضمن عملية التحول للاقتصاد منخفض الانبعاثات القادر على التعامل مع الآثار السلبية لتغير المناخ والتكيف معها، ويساهم فى تعزيز حجم ونوعية وآليات تمويل المناخ المتاح للدول النامية، وهو الجانب الأهم وحجر الزاوية لتمكين تلك الدول من القيام بدورها فى هذا الجهد العالمى.
ثانياً: لتحقيق هذه الرؤية، فإن مصر تعول على دعم كل الأطراف ومساهمتها فى توفير مناخ من الثقة يمكننا من تحقيق النتائج التى تتطلع إليها شعوبنا. وفى هذا السياق، أود الإشادة بالبيانات الصادرة حول تغير المناخ والبيئة والتنمية عن القمة الأخيرة لمجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى هنا فى ألمانيا الشهر الماضى، وبما تضمنته من مواقف سياسية إيجابية ورؤى واضحة حول دعم عملية الانتقال العادل للطاقة فى عدد من الدول النامية، ونؤكد فى هذا الإطار على ضرورة توسيع نطاق هذا الدعم ليشمل دول نامية أخرى تبذل أيضا جهوداً حثيثة فى هذا الاتجاه، وعلى أهمية مشاركة مؤسسات وبنوك التمويل الدولية فى دعم هذا الانتقال، وفى الوقت نفسه، نشدد على ضرورة ترجمة هذه المواقف والرؤى إلى واقع فعلى فى المسارات التفاوضية المختلفة فى إطار الاتفاقية الإطارية واتفاق باريس، وهى المسارات التي كثيراً ما تشهد مواقف لا تتسق مع النوايا والتوجهات الإيجابية التى يتم التعبير عنها على المستوى السياسى.
ثالثا: تقع قارتنا الإفريقية فى القلب من هذه التحديات وتتأثر بها على نحو يفوق غيرها من المناطق بالنظر لخصوصية وضعها ومحدودية قدرتها على التعامل مع الأزمات وضعف حجم التمويل المتاح لها للتغلب على تلك الصعاب، ولقد جاءت أزمتا الغذاء والطاقة الأخيرتين لتفاقما من حجم التحديات التى يتعين على الدول الإفريقية مواجهتها، إلى جانب ما يمثله تغير المناخ من تهديد حقيقى لدول القارة التى تعانى من التصحر وندرة المياه وارتفاع مستوى سطح البحر والفيضانات والسيول وغيرها من الأحداث المناخية القاسية التى أصبحت تحدث بوتيرة أكثر تسارعاً وبتأثير أشد من ذى قبل.
وفى هذا الصدد أود التأكيد على ضرورة بذل كل الجهود الممكنة لدعم دولنا الإفريقية وتمكينها من الاستفادة من ثرواتها الطبيعية وتحقيق التنمية الاقتصادية المتسقة مع جهود مواجهة تغير المناخ والحفاظ على البيئة، وذلك من خلال مقاربة شاملة تأخذ في الاعتبار الظروف الوطنية الاقتصادية والتنموية لكل دولة، لاسيما وأن دول القارة قطعت بالفعل خطوات واسعة فى هذ الاتجاه بفضل ما تمتلكه من مساحات واسعة من الغابات والقدرات لتوليد الطاقة من الشمس والرياح، فضلاً عن إمكانيات لإنتاج الهيدروجين الأخضر، مع الأخذ فى الاعتبار أن مفهوم الانتقال العادل يتعين التعامل معه من منظور شامل لا يقتصر على قطاع الطاقة فحسب، بل يمتد كذلك لمختلف القطاعات كالزراعة والصناعة والنقل وغيرها.
رابعا: سارعت مصر منذ وقت مبكر باتخاذ خطوات فعالة فى سبيل التحول إلى نموذج تنموى مستدام يتسق مع جهود الحفاظ على البيئة ومواجهة تغير المناخ، ليس فقط إيماناً منها بحق أبنائها وأجيالها القادمة فى مستقبل أفضل، وإنما أيضاً لوعيها بما يمثله التحول الأخضر من فرصة واعدة لتحقيق التنمية الاقتصادية فى العديد من القطاعات الحيوية؛ فعلى سبيل المثال، تقوم مصر بخطوات جادة لرفع نسبة مساهمة الطاقة المتجددة فى مزيج الطاقة، وتعكف فى الوقت الراهن على إعداد استراتيجية شاملة للهيدروجين، وتسعى إلى تنفيذ خطط طموحة للربط الكهربائى مع دول المنطقة على نحو يجعل من مصر مركزاً للطاقة المتجددة فى منطقتها، فضلاً عن الجهود المستمرة لرفع كفاءة استخدام الطاقة وخفض انبعاثات الكربون والميثان فى قطاع البترول والغاز. وفى قطاع النقل، تنفذ مصر خططاً واسعة النطاق لزيادة الاعتماد على وسائل النقل النظيفة من خلال التوسع في شبكات المترو والقطارات وتوطين صناعة السيارات الكهربائية، وبالتوازى مع ذلك، عززت مصر من خطواتها الرامية إلى التكيف مع الآثار السلبية لتغير المناخ، بما فى ذلك من خلال مشروعات ترشيد استخدامات المياه وتبطين الترع والإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية وآليات الإنذار المبكر وغيرها.
وإدراكاً منها لحجم المسؤولية الملقاة على عاتقها في إطار استعدادها لتولى قيادة عمل المناخ الدولي خلال الفترة القادمة، وتأكيداً على التزامها بالمساهمة الفعلية في الجهد العالمي لتغير المناخ، أودعت مصر منذ بضعة أيام وثيقة مساهمتها المحددة وطنيا المحدثة وفقا لاتفاق باريس والتى تتضمن أهداف كمية طموحة ومحددة فى عدد من القطاعات الرئيسية لتعكس الجهود التى قامت وستقوم بها مصر فى هذه المجالات ولتوضح أيضا حجم الاحتياجات التى تتطلبها هذه الجهود من تمويل ودعم فنى وتكنولوجى، والتى لا غنى عن توفيرها فى إطار من الشراكة التنموية الفاعلة بين مصر وشركائها من دول وبنوك ومؤسسات تمويل دولية. وفى هذا الإطار أدعو كل الدول إلى تحديث مساهمتها المحددة وطنيا ورفع طموح الالتزامات الواردة بها قبل وأثناء مؤتمر شرم الشيخ.
السيدات والسادة،
أود التأكيد على أن مصر لن تدخر جهدا فى سبيل إنجاح القمة العالمية للمناخ من خلال توفير البيئة المناسبة الجامعة لكل الأطراف من الدول والمنظمات الدولية والمجتمع المدنى وغيرها، بهدف تحقيق تقدم حقيقي على مختلف المسارات، سواء المسار التفاوضى الحكومى وهو المحدد الرئيسى للسياسات الدولية للمناخ والذى سنسعى فيه إلى التوصل إلى توافقات واسعة فى الموضوعات محل التفاوض، أو على صعيد المسارات الأخرى غير الرسمية التى باتت تمثل داعماً رئيسياً لعمل المناخ الدولى، والتى سنعمل فيها على طرح مجموعة متنوعة من المبادرات، ورعاية عدد كبير من الحوارات والنقاشات البناءة بين مختلف الأطراف الحكومية وغير الحكومية فى إطار الأيام الموضوعية التى سيشهدها المؤتمر، وذلك لضمان الخروج بنتائج شاملة تساهم فى إبقاء هدف الـ 1.5 درجة مئوية فى المتناول، وفى وضع العالم على الطريق الصحيح نحو تنفيذ أهداف باريس ومقررات قمم المناخ المتعاقبة.