قال الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء فى العالم، إن الإنسان لم يتوقَّف سعيُه يومًا نحو التنمية والتطوير، فطبيعة الإنسان التى تسعى لتحصيل الأفضل جعلت من التنمية مسارًا ملازمًا لمسار الإنسان فى رحلته على الأرض.
وأضاف الدكتور شوقى علام، أن العالَم أدرك بعد آلاف التجارب التنموية عدَّة حقائق، من أهمها أن التنمية لا يمكن أن تحقِّق غايتها إلا إذا اتَّصفت بصفة الاستدامة، وأن تتجاوز فكرتُها المحدوديةَ المتمحورة حول الحفاظ على البيئة والثروات الطبيعية فقط لتشمل كل ما يتعلق بالإنسان ثقافيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا، وهذا هو السبب فى أن التنمية المستدامة هى الحاضر الأبرز على موائد التخطيط الاستراتيجى للدول والحكومات.
جاء ذلك فى كلمته التى ألقاها فى المؤتمر العالمى الدولى الثالث لكلية أصول الدين بالقاهرة الذى يعقد تحت عنوان: “التنمية المستدامة فى الفكر الإسلامى”.
وأكَّد المفتى، أنَّ حداثة مصطلح “التنمية المستدامة” وانتشاره بهذا الشكل الكبير اليوم يجب ألَّا تُعطينا انطباعًا خاطئًا عن حداثة عملية التنمية المستدامة نفسها، فإن التنمية ملازمة لمسيرة الإنسان، واستدامة تلك التنمية فكرة قديمة فى الفكر الإسلامى لها منطلقاتها التى تميزها حتى عن التنمية المستدامة كما تبلورت اليوم.
وأوضح أن “التنمية المستدامة” التى يقصدها الإسلام ويسعى لتحقيقها لا تهتمُّ بالجانب المادى مجردًا عن الجوانب الروحية، بل التنمية المستدامة وَفْق الرؤية الإسلامية هى اهتمام بالجانب الروحى مع الجانب المادى، بل قبله فى العديد من الأحيان، مضيفًا أن الله سبحانه وتعالى قرن العمل الصالح بالازدهار والنماء، فقال تعالى: “فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ”، وربط بين الفساد وبين العمل السيئ فقال: “ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِى عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون”.
وأشار إلى أن التنمية المستدامة فى الإسلام تعنى السعى للارتقاء بحياة الناس ماديًّا وروحيًّا بما يسعدهم فى دنياهم وأخراهم وَفق السنن التى وضعها الله سبحانه وتعالى فى الحياة من غير إفساد أو إضرار أو إهدار للموارد، وبما يضمن حظوظ الأجيال كلها حاضرها ومستقبلها حتى يتحقق لهم التكريم اللائق بهم.
وتابع مفتى الجمهورية: “التنمية المستدامة فى الفكر الإسلامى تجعل من الإنسان محورها الحقيقى، وتُرسِّخ لضرورة الاستثمار فى إمكانيات ذلك الإنسان والارتقاء بها لكونه العنصر الأهم فى عمليات التنمية بأسرها”.
ولفت النظر إلى أن ما نشهده من مشروعاتٍ على أرض مصر اليوم يدل على إيمان الدولة بذات الرؤية الإسلامية للتنمية المستدامة، وأن الإنسان قبل البنيان، فالحرص على تتبع مشكلات المواطنين والعمل على حلِّها بالإضافة إلى تطوير العملية التعليمية يصب بشكل مباشر فى نطاق تطوير الإنسان وتنميته.
وأضاف أن التنمية فى الفكر الإسلامى داخلةٌ فى إطار التعبُّد، فالإنسان هو خليفة الله فى الأرض، وقد أناط الله به عدة وظائف ليقوم بواجبه ويحقق الغاية من ذلك الاستخلاف، وأهم تلك الوظائف القيام بعبادة الله تعالى وإعمار الأرض بالشكل اللائق، وهنا نقف على الارتباط الكبير بين الإعمار والتنمية وبين الدين والعبادة فى الفكر الإسلامى، ونقف على موقع التنمية من الأحكام الشرعية التى قد تصل فى بعض الأحيان إلى وجوب بعض الأفعال لا لمقصدٍ ظاهرٍ إلا تحقيق هذه التنمية.
وبيَّن المفتى أنَّ الشرع الحنيف حثَّ على الاستمرار فى التعمير والغرس والبناء ولو كان ذلك العمل هو آخر ما يقوم به الإنسان، قال صلى الله عليه وسلم: “إذا قامت الساعةُ وفى يد أحدكم فسيلة فليغرسها”، وقال: “ما من مسلم يَغرِسُ غرسًا أو يزرع زرعًا فيأكل منه طَيرٌ أو إنسانٌ أو بهيمةٌ إلا كان له به صدقةٌ”.
وقال مفتى الجمهورية: “إن التنمية المستدامة وتشييد بناء حضارى يليق ببلدنا وأمَّتنا لا يتحقَّق إلا بإزالة جميع المعوقات أمام عمليات التنمية التى تفتك بثمار التنمية دون أن نشعر بها، فلا بدَّ من ترشيد عمليات الاستهلاك للموارد والمنتجات، وتغيير قيم الاستهلاك المجردة والمضرة التى لا تتوافق مع قيم الاستهلاك فى الإسلام القائمة على الترشيد والبعد عن الإسراف”.
وأوضح أنه يجب نشر الوعى بضرورة التوافق بين عدد السكان وبين معدلات التنمية، وأن مقاصد الشرع وغاياته تدعم اتجاه تنظيم الأسرة والحد من زيادة السكان، طلبًا لحياة كريمة، وأن واجبنا جميعًا التكاتفُ والعملُ على نشر الوعى وتقويض تلك المعوقات، والمُضِى قُدُمًا فى دعم المشروعات التنموية.
واختتم المفتى كلمته بقوله: إنَّنا نرى اليوم ثورة التطوير والتحديث الشاملة التى تشهدها مصر تحت إدارتها الطموح، والتى رفعت شعار التنمية المستدامة منذ الوهلة الأولى، وسخَّرت جميع إمكانياتها البشرية والمادية فى سبيل الرقى ببلدنا وتنميتها.