أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، ورقة سياسات جديدة من خلال سلسلة «رؤى على طريق التنمية» تحت عنوان «دور الثورة الصناعية الرابعة في دعم الاقتصاد الدائري على طريق التنمية المستدامة».
وتستهدف الورقة، دراسة سبل تطبيق تقنيات ومبتكرات الثورة الصناعية الرابعة على الاقتصاد الدائري لتعظيم الاستفادة من كليهما في مواجهة تغيرات المناخ وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وتبدأ الورقة في القسم الأول بالتطرق إلى تطور الثورة الصناعية الرابعة، وتحليل للركائز التكنولوجية التي تقوم عليها متبوعاً بالمؤشرات التي ترصد هذه الثورة، ويتناول القسم الثاني تحليلا للارتباط بين الاقتصاد الدائري وتغيرات المناخ والتنمية المستدامة وما يرتبط بها من مؤشرات.
أما القسم الثالث فيناقش تحليلا لدور ركائز الثورة الصناعية الرابعة في تطبيق الاقتصاد الدائري، مع استعراض التحديات والمعوقات التي تواجه تطبيق تقنيات الثورة الصناعية الرابعة على الاقتصاد الدائري، كما تتطرق الورقة في القسم الرابع لتحليل جهود مصر في إدماج الاقتصاد الدائري في القطاع الصناعي واستخلاص الفرص المتاحة في هذا الشأن.
وترتكز الثورة الصناعية الرابعة بشكل رئيسي على التطورات التكنولوجية الكبيرة في مختلف المجالات، ومنها الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والمركبات ذاتية القيادة والطباعة ثلاثية الأبعاد والحوسبة السحابية والبيانات الضخمة، وتعتمد على تطوير أسس الإنتاج الصناعي من خلال دمج التقنيات الرقمية وتقنيات إنترنت الأشياء مع أساليب الصناعة التقليدية لزيادة كفاءة عملية الإنتاج الصناعي.
ويساهم التطور التكنولوجي في تقديم تقنيات وحلول جديدة للحفاظ على البيئة وتحقيق الاستدامة بشكل مواز، لعل أهم تلك الحلول ممارسات الاقتصاد الدائري، حيث تسمح تطبيقات الاقتصاد الدائري من خلال رفع كفاءة استخدام الموارد بتبني أنماط إنتاج واستهلاك دائرية صفرية المخلفات، وتتيح مبتكرات الثورة الصناعية الرابعة التقنيات المعلوماتية والتكنولوجية، ولذلك بات من الصعب الحديث عن أي منهما بمعزل عن الآخر.
ويقدم الاقتصاد الدائري فرصاً وتطبيقات تسمح بتحسين أداء مؤشرات التنمية المستدامة، خاصة تلك المرتبطة بالقطاع الصناعي، وهو الأمر الذي منح مصطلح الاقتصاد الدائري اهتمامًا من قبل العديد من الحكومات والمؤسسات باعتباره من آليات دعم التنمية المستدامة، حيث تسمح هذه المنهجية بتحقيق المواءمة بين مستويات النمو المنشودة والتصدي لتحديات الاستدامة البيئية بطريقة متسقة، ويتطلب نجاح السياسة الكلية للاقتصاد الدائري تبني رؤية شاملة والتنسيق بين مختلف القطاعات الاقتصادية والفاعلين فيها وكذلك توافر الإرادة السياسية لدى الدولة للتعامل مع الأهداف العالمية المشتركة للتنمية المستدامة وتغيرات المناخ.
واستعرضت الورقة الجهود المصرية لدمج الاقتصاد الدائري في الصناعة حيث صاغت مصر بوضوح ضمن استراتيجية التنمية المستدامة عدداً من الأهداف، منها أن يتم بانتظام جمع وإدارة 80% من النفايات البلدية بنسبة كفاءة 90%، وأن تقتصر نسبة الفاقد في خطط معالجة المياه على أقل من 10% بحلول عام 2030.
يشار إلى تحقيق مصر عدداً من الإنجازات في التعامل مع المخلفات والفوائض في القطاع الصناعي، ففي عام 2020 بلغ عدد مصانع تدوير القمامة في مصر 51 مصنعاً، وتم التخلص من إجمالي كميات قمامة تبلغ حوالي 32.5 مليون طن، وبلغ إجمالي عدد محطات معالجة الصرف الصحي المعالج حوالي 421 محطة، لتبلغ كمية الصرف الصحي المعالج 4436.7 مليون م3.
واستعرضت الورقة، التجارب الدولية لتفعيل الاقتصاد الدائري في استراتيجية الصناعة، كتجربة دولة الصين الرائدة في صياغة استراتيجية الصناعة، حيث أقرت الصين قانون الاقتصاد الدائري عام 2008 لتكون أول دولة تضع تشريعات خاصة بالاقتصاد الدائري، وأيضًا التجربة الهولندية حيث وضعت هولندا في 2016 استراتيجية وطنية للتحول للاقتصاد الدائري بحلول عام 2050 ضمن التزامها بخطة عمل الاقتصاد الدائري للاتحاد الأوروبي، واستهدفت الاستراتيجية خفض استخدام المواد الخام من المعادن بنسبة 50% بحلول عام 2030.
أما كوريا الجنوبية فقد تبنت عدداً من الإجراءات وعلى رأس تلك الإجراءات سن عدد من التشريعات التي تستهدف التحول للاقتصاد الدائري، كما تبنت كولومبيا عدداً من الاستراتيجيات مثل تحويل النفايات إلى طاقة، وإعادة تدوير المواد الخام، والاتجاه نحو استخدام مصادر الطاقة المتجددة، وفي إفريقيا أطلقت حكومة كيب الغربية في جنوب إفريقيا عام 2013 برنامج التكافل الصناعي الذي استهدف إعادة تدوير الموارد، وقد تمكن البرنامج من إعادة تدوير أكثر من 104 آلاف طن من المخلفات بما أسهم في توليد أكثر من 8.5 مليون دولار.
وتقدم الورقة مجموعة من السياسات التي تمكِّن مصر من الاستفادة من الركائز التكنولوجية للثورة الصناعية الرابعة في التحول نحو الاقتصاد الدائري لتحقيق أهداف التنمية المستدامة منها وضع استراتيجية وطنية شاملة للثورة الصناعية في مصر، ووضع إطار تشريعي وضريبي داعم للتحول نحو الاقتصاد الدائري، وإنشاء المجلس المصري للاقتصاد الدائري، وتطوير المدن الصناعية التقليدية لتصبح تجمعات صناعية بيئية، ورفع مستوى الوعي الجماهير فيما يتعلق بأهمية التحول نحو الاقتصاد الدائري من خلال الاعتماد على الركائز التكنولوجية المختلفة التي تقدمها الثورة الصناعية الرابعة، وتوطين تطبيقات الاقتصاد الدائري في المحافظات مع إشراك كافة الجهات الحكومية المركزية والمحلية والقطاع الخاص والمجتمع المدني كداعم أساسي في عمليات التحول نحو الاقتصاد الدائري.