السلام هو الحلم الإنساني الأكبر. حين يسود، تتوقف الحروب ويعمّ الاستقرار، وتتحول ميزانيات التسلح الهائلة إلى فرص للتعليم، الصحة، والطاقة النظيفة. السلام يتيح للشعوب أن تتشارك المعرفة والابتكار، وأن تبحث عن حلول جماعية لمشاكل الكوكب. من هذه الزاوية يبدو أن السلام هو الطريق الأوضح لإنقاذ البيئة.
لكن الصورة ليست بهذه البساطة. إذا نظرنا إلى التاريخ القريب، نكتشف أن فترات السلم الطويلة خلال المئتي عام الماضية، مدعومة بالتطور العلمي والطبي، قادت إلى طفرة سكانية غير مسبوقة في تاريخ البشرية: من مليار نسمة تقريبًا مطلع القرن التاسع عشر إلى أكثر من ثمانية مليارات اليوم. هذه القفزة السكانية التي حدثت في زمن قصير جدًا بمقياس عمر الأرض لم تكن ممكنة لولا الاستقرار السياسي والحد من الحروب الواسعة.
هذه الزيادة السكانية تحمل وجهين. فمن جانب، هي تعبير عن نجاح الإنسان في التغلب على المرض والمجاعة وتحقيق معدلات بقاء أعلى. لكن من جانب آخر، هي السبب المباشر في الضغوط البيئية التي نعيشها اليوم:
التوسع العمراني الذي قضى على مساحات شاسعة من الغابات والأراضي الزراعية.
استنزاف المياه العذبة لمجارٍ وأنهار وبحيرات لم يعد بإمكانها تجديد نفسها بالوتيرة ذاتها.
ارتفاع انبعاثات الكربون نتيجة التوسع الصناعي والنقل والاستهلاك المتزايد للطاقة.
تدهور التنوع البيولوجي مع فقدان المواطن الطبيعية للكائنات الحية.
إذن، هل يمكن القول إن السلام العالمي يخدم البيئة؟
الإجابة ليست مطلقة. السلام بلا وعي بيئي ولا سياسات رشيدة قد يصبح تهديدًا مضاعفًا، لأنه يفتح الباب أمام انفجار سكاني واستهلاك متسارع يفوق قدرة الكوكب على الاحتمال. بينما السلام المصحوب بالتخطيط السليم يمكن أن يكون حجر الأساس لحماية الأرض: فبدون حروب، يمكن توجيه الموارد إلى إعادة التشجير، تطوير الطاقات المتجددة، ابتكار تكنولوجيات لإعادة تدوير المخلفات، وضمان عدالة توزيع المياه والغذاء.
إن البيئة لا تحتاج إلى السلام وحده، بل إلى سلام عادل يترافق مع وعي عالمي بمحدودية موارد الكوكب. فالاستقرار إذا استُثمر في ثقافة استهلاكية عمياء سيؤدي إلى انهيار أسرع، أما إذا استُثمر في بناء مجتمعات مستدامة فسيصبح أعظم فرصة لإنقاذ الأرض.
الخلاصة أن السلام ليس صديقًا مطلقًا للبيئة ولا عدوًا لها، بل أداة بيد الإنسان. نحن من نحدد مصير هذه الأداة: هل تتحول إلى طوق نجاة يربط الأجيال القادمة ببيئة صحية، أم إلى قوة صامتة تدفع الكوكب نحو الاستنزاف والانهيار.