رئيس التحرير هيثم سليمان مدير التحرير محمد سليمان

اعلان جانبي  يسار
اعلان جانبي يمين

الدولار الأميركي يسجل أسوأ أداء في النصف الأول من العام منذ 1973

سجل الدولار الأميركي أكبر تراجع له في نصف عام منذ أكثر من خمسة عقود، في أسوأ بداية سنوية له منذ عام 1973، مع استمرار تزايد الشكوك في أوساط المستثمرين وتزايد الضبابية بشأن السياسات الاقتصادية الأميركية.

ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة «فاينانشيال تايمز»، انخفض مؤشر الدولار، الذي يقيس أداء العملة الأميركية مقابل سلة من ست عملات رئيسة من بينها اليورو والجنيه الإسترليني والين، بأكثر من 10% منذ بداية يناير. ويعكس هذا التراجع الحاد حالة الاضطراب التي شهدها النظام النقدي العالمي عقب انهيار نظام «بريتون وودز» (Bretton Woods) المدعوم بالذهب قبل أكثر من خمسين عاماً.

ويصف فرانشيسكو بيسولي، استراتيجي النقد الأجنبي في «آي إن جي غروب» (ING Group)، الدولار بأنه «الضحية المفضّلة لسياسات ترامب 2.0 المتقلبة»، لافتاً إلى أن الاستراتيجية المترددة بشأن التعريفات، والاحتياجات المتزايدة للاقتراض الفيدرالي، وتصاعد المخاوف حول استقلالية الاحتياطي الفيدرالي، جميعها عوامل أضعفت جاذبية الدولار كملاذ آمن للمستثمرين.

تراجع الدولار يوم الاثنين بنسبة 0.2% إضافية مع استعداد مجلس الشيوخ الأميركي للتصويت على تعديلات مشروع قانون الضرائب الشامل الذي اقترحه الرئيس ترامب. ومن المتوقع أن يضيف هذا التشريع نحو 3.2 تريليون دولار إلى الدين العام خلال العقد المقبل، ما أثار مخاوف واسعة النطاق بشأن استدامة السياسة المالية الأميركية، وأدى إلى موجة بيع في سوق السندات الحكومية.

ويضع هذا الانخفاض الحاد العملة الأميركية على مسار أسوأ بداية سنوية لها منذ عام 1973، حين تراجعت بنسبة 15%، وكذلك أسوأ أداء لها في فترة نصف سنوية منذ الأزمة المالية العالمية في 2009.

وقد جاء هذا التراجع خلافاً لتوقعات المحللين الذين رجّحوا في بداية العام أن تؤدي الحروب التجارية التي أطلقها ترامب إلى إلحاق ضرر أكبر باقتصادات الدول الأخرى مقارنة بالولايات المتحدة، وإلى دفع التضخم الأميركي إلى الارتفاع، وهي عوامل غالباً ما تدعم قوة الدولار. لكن بدلاً من ذلك، أثارت المخاوف المتعلقة بالنمو والاستقرار المالي والسياسي في الولايات المتحدة عزوفاً عن الدولار وزيادة في الطلب على أصول أكثر أماناً، مثل اليورو والسندات الألمانية.

وارتفع اليورو بنسبة 13% منذ بداية 2025، ليتجاوز مستوى 1.17 دولار، متجاوزاً توقعات مؤسسات «وول ستريت» التي رجّحت أن يتراجع إلى التكافؤ مع الدولار. وتركّز اهتمام المستثمرين بشكل متزايد على المخاطر السلبية في الاقتصاد الأميركي، ما عزز الطلب على بدائل أكثر أماناً في الخارج.

وقال أندرو بولز، كبير مسؤولي الاستثمار للدخل الثابت في شركة «بيمكو» (Pimco)، في إشارة إلى إعلان ترامب عن «الرسوم المتبادلة» في أبريل: «كان ذلك بمثابة صدمة أعادت صياغة الإطار العام للسياسة الاقتصادية الأميركية».

ورغم تأكيد بولز أن الدولار لا يزال يحتفظ بمكانته كعملة الاحتياطي العالمية الأولى، إلا أنه حذر من أن هذا الوضع لا يحميه من التراجع الحاد على المدى القريب. وأضاف أن كثيراً من المستثمرين العالميين باتوا يعززون تحوّطاتهم من تقلبات العملات على الأصول المقومة بالدولار، وهو ما يشكّل عاملاً إضافياً يضغط على العملة الأميركية.

من العوامل الأخرى التي تضغط على الدولار هذا العام، التغير في توقعات أسعار الفائدة في الولايات المتحدة. إذ تشير تعاملات العقود الآجلة إلى توقع الأسواق حدوث ما لا يقل عن خمسة تخفيضات بمقدار ربع نقطة مئوية من قبل الاحتياطي الفيدرالي بحلول نهاية العام المقبل، وسط ضغوط سياسية متزايدة لتحفيز الاقتصاد.

ورغم هذه الضبابية، ارتفعت الأسهم الأميركية إلى مستويات قياسية مدعومة بتوقعات خفض الفائدة وقوة أرباح الشركات. ومع ذلك، فإن ضعف الدولار يجعل مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» (S&P 500) متخلفاً عن نظرائه في أوروبا عند احتساب العوائد بعملة موحدة.

وأعلنت مؤسسات استثمارية كبرى، من صناديق التقاعد إلى البنوك المركزية، نيتها تقليص انكشافها على الأصول المقومة بالدولار، وتساءلت عمّا إذا كانت العملة الأميركية لا تزال توفّر ملاذاً آمناً في أوقات تقلب الأسواق.

وقال بيسولي: «المستثمرون الأجانب باتوا يشترطون تحوّطاً أكبر من تقلبات أسعار الصرف للأصول المقومة بالدولار، وكان ذلك من العوامل التي منعت الدولار من مواكبة انتعاش الأسهم الأميركية».

كما سجل الذهب مستويات قياسية هذا العام مدعوماً بمشتريات البنوك المركزية ومستثمرين يسعون للتحوّط من تراجع إضافي في قيمة الدولار.

ومع بلوغ الدولار أدنى مستوى له في أكثر من ثلاث سنوات، حذّر بعض المحللين من أن وتيرة الهبوط قد باتت مبالغاً فيها. وقال غاي ميلر، كبير استراتيجيي السوق في شركة «زيورخ» (Zurich) للتأمين: «أصبح الرهان على ضعف الدولار تجارة مزدحمة، وأتوقع أن يتباطأ هذا التراجع».

لكن رغم ذلك، لا يتوقع الكثيرون حدوث انعكاس حاد في المدى القريب، في ظل استمرار الشكوك المحيطة بمصداقية السياسة المالية الأميركية واستقلالية البنك المركزي، وهي عوامل لا تزال تثير حذر المستثمرين.

 

اترك تعليقا