فضيحة تهز العمل الخيري في مصر: جمعيات تتاجر بآلام الفقراء وتبيع التبرعات في عز الغلاء.. والرقابة غائبة!
في الوقت الذي يئن فيه ملايين المصريين تحت وطأة غلاء معيشة خانق وتضخم جامح تجاوز الـ 30%، وبينما تتعالى صرخات الأسر المعدمة طلبًا لكسرة خبز أو قطعة ملابس تستر أو جهاز بسيط يعين على مصاعب الحياة، تنكشف ممارسات صادمة لبعض الجمعيات الخيرية التي حولت “الخير” إلى “تجارة” مربحة، ضاربة بعرض الحائط بنوايا المتبرعين الطيبة وحاجات الفقراء الماسة.
بدلًا من أن تكون جسرًا للرحمة وسدًا لحاجات المعوزين، كشفت تقارير ميدانية وشهادات موثقة أن عددًا من الجمعيات الخيرية، التي يفترض بها أن تكون ملاذًا للفقراء، قد انحرفت عن مسارها، ولجأت إلى بيع التبرعات العينية – من ملابس وأجهزة وأثاث – في ما يشبه المزادات العلنية للتجار والمستغلين، بدلًا من توزيعها مجانًا على مستحقيها.
فريق التحقيق رصد بالصوت والصورة أماكن محددة تحولت إلى أسواق سوداء للتبرعات؛ أحدها في زهراء المعادي، حيث تُعرض أكوام الملابس والأجهزة المتبرع بها على التجار لشرائها بأثمان بخسة ثم إعادة بيعها بأسعار مضاعفة للمحتاجين أنفسهم! وآخر في جسر السويس، يعرض أثاثًا مستعملًا وأدوات منزلية كانت في طريقها لتخفيف معاناة أسرة، لتصبح سلعة في سوق جشع لا يرحم. هذه الاكتشافات تطرح علامات استفهام مدوية حول مصداقية العمل الخيري لدى هذه الكيانات.
لسنوات طويلة، وثق المواطنون في هذه الجمعيات، وتبرعوا بما تجود به أنفسهم لسد فجوة الاحتياج لدى الأسر الفقيرة. لكن يبدو أن النوايا الطيبة أصبحت وقودًا لتجارة لا أخلاقية، حيث يتم تحويل عطاء المتبرعين إلى أرباح في جيوب البعض، بينما يظل الفقير ينتظر الفرج الذي لا يأتي. هذا الانحراف الخطير يأتي في وقت تعاني فيه البلاد من أزمة اقتصادية طاحنة، مما يجعل هذه الممارسات أكثر إيلامًا وقسوة.
يُرجع مراقبون جزءًا كبيرًا من هذه الكارثة إلى الفراغ الرقابي وغياب آليات المتابعة الفعالة على الجمعيات الخيرية، خاصة فيما يتعلق بإدارة التبرعات العينية. فالقوانين الحالية المنظمة للعمل الأهلي تركز بشكل أساسي على التمويل النقدي، وتترك باب التبرعات غير المالية مفتوحًا على مصراعيه للتلاعب والاستغلال، دون وجود معايير واضحة أو جهة موحدة للإشراف والمحاسبة.
وفي هذا السياق، تؤكد الدكتورة ناهد حسن، الباحثة في قضايا المجتمع المدني، على الحاجة الماسة لتدخل تشريعي ورقابي حازم: “لا بد من وضع لوائح صارمة وشفافة تُلزم هذه الجمعيات بالإفصاح الكامل عن حجم التبرعات العينية التي تتلقاها، وتفاصيل آليات توزيعها، وعدد المستفيدين الفعليين منها. كما نقترح إنشاء منصة إلكترونية مركزية تكون بمثابة قاعدة بيانات للتبرعات المتاحة، يتم من خلالها ربط المتبرع بالمستحق مباشرة، لقطع الطريق على أي محاولات للتحايل أو التربح غير المشروع.”
ما بين نية المتبرع الصادقة في فعل الخير، وحاجة الفقير الملحة التي لا تحتمل الانتظار أو المتاجرة، تقف بعض الجمعيات – ولا نعمم – كنماذج مؤسفة لتحويل العمل الإنساني النبيل إلى نشاط استثماري بغيض، يتاجر بآلام الناس ويستغل ضعفهم.
ويبقى السؤال الذي يتردد صداه في أرجاء المجتمع: من يحمي الفقراء من “مافيا” احتكار الخير، ومتى ستتحرك الأجهزة الرقابية لوقف هذا العبث بمقدرات المحتاجين ونوايا المحسنين؟