وفي الجلسات المغلقة يتحدث المسؤولون الغربيون بقلق عن احتمال وصول سعر خام برنت القياسي للنفط العالمي إلى 150 دولاراً للبرميل خلال فترة قصيرة، مقابل نحو 120 دولاراً للبرميل حاليا، في حين يتحدث البعض عن 175 أو180 دولاراً للبرميل بنهاية العام الجاري، نتيجة تعافي الطلب بعد انحسار جائحة كورونا، والعقوبات الأوروبية على روسيا.
ويقول المحلل الاقتصادي خافيير بلاس، في تحليل نشرته وكالة بلومبرغ، إنه في حين تتصاعد المخاوف من ارتفاع أسعار النفط هذا الصيف، هناك عاصفة أخرى في الأفق، وهي أن صدمة أسعار النفط المرتفعة لن تنتهي بنهاية العام. و على الأغلب سستمر الصدمة في العام المقبل.
وستعلن وكالة الطاقة الدولية يوم الأربعاء المقبل أول توقعاتها للعرض والطلب في سوق النفط العالمية في العام المقبل، إيذاناً ببداية تركيز المستثمرين على العام المقبل.
وبالفعل بدأ التجار يتعاملون بعقود خام برنت تسليم العام المقبل، ما أدى إلى ارتفاع سعر عقود تسليم ديسمبر (كانون الأول) 2023، إلى 100 دولار للبرميل في إشارة واضحة إلى توقع استمرار نقص الإمدادات في السوق.
وفي حين ينتظر الجميع توقعات وكالة الطاقة الدولية، بدأت شركات تجارة السلع والمواد الخام وشركات النفط والدول الأعضاء في منظمة البلدان المصدرة للبترول “أوبك” والدول الغربية المستهلكة للنفط تنشر توقعاتها للعام المقبل.
وهناك اتفاق على أن الطلب العالمي سيزيد في العام المقبل بما بين مليون و2.5 مليون برميل يومياً. ومن المحتمل أن يزيد الطلب هذا العام بنحو 1.8 مليون برميل يوميا حسب وكالة الطاقة الدولية. والمعروف أن أي زيادة في الطلب بأكثر من مليون برميل يومياً، تعتبر كبيرة.
وفي المقابل، لم يتحسن العرض أو الإمدادات. فالمتعاملون يتوقعون في أفضل الأحوال استمرار إنتاج روسيا عند مستواه الحالي أي حوالي 10 ملايين برميل يومياً، بانخفاض 10% تقريبا منذ غزوها أوكرانيا في أواخر فبراير (شباط) الماضي.
وهناك محللون يتوقعون تراجع إنتاج روسيا في العام المقبل بين مليون ومليون ونصف برميل يومياً. في المقابل، فإن الدول الأعضاء في تجمع أوبك بلس، بدأت هذا العام زيادة إنتاجها، ما أدى إلى تلاشي فوائض الطاقة الإنتاجية لديها.
وقال الأمين العام لمنظمة أوبك محمد باركيندو في الأسبوع الماضي، إنه باستثناء دولتين أو ثلاث، في إشارة إلى السعودية والإمارات فإن دول أوبك بلس لا تملك فائضاً في الطاقة الإنتاجية يتيح لها زيادة الإنتاج استجابة لنمو الطلب.
ويقول خافيير بلاس المحلل المتخصص في الاقتصاد الدولي، إن النتيجة الأكثر احتمالاً، استمرار تراجع مخزونات النفط الخام في العالم للعام الثالث على التوالي، بعد تراجع مخزونات الخام، والمكررات النفطية في الأشهر الـ18 الماضية.
ومنذ بداية العام سعت الحكومات الغربية إلى تخفيف حدة نقص الإمدادات بضخ كميات من الاحتياطيات الاستراتيجية للخام. ودون خطوات إضافية سينتهي ضخ الاحتياطيات في يناير(كانون الثاني) المقبل، ما يعني اختفاء إحدى أهم وسائل تحقيق التوازن في السوق.
في الوقت نفسه يعاني العالم من نقص الطاقات الإنتاجية لقطاع التكرير، ما يعني استمرار ارتفاع أسعار الوقود، بوتيرة أعلى من الزيادة في أسعار النفط، مقابل ارتفاع هامش أرباح شركات التكرير، إلى جانب شركات إنتاج النفط الخام.
وهناك الكثير من الأسئلة حول توقعات سوق النفط في العام المقبل وأغلبها عن تحركات الحكومات. فكل تحرك يستطيع أن يقلص الطلب بما يتراوح بين 1 و1.5 مليون برميل يومياً، سيؤدي إلى خفض كبير في سعر الخام.
والسؤال الأكثر أهمية عن مدة العقوبات على روسيا. و سياسة صفر إصابات بكورونا في الصين، والعقوبات الغربية على إيران، وفنزويلا، وأخيراً استخدام احتياطيات النفط الخام لدى الدول العربية.
ورغم أن الحديث عن صدمة أسعار النفط يدور غالباً حول ارتفاع هذه الأسعار، هناك أيضاً نقطة مهمة عن طول بقاء هذه الأسعار المرتفعة.
فأزمة أسعار النفط السابقة كانت قصيرة نسبياً، في أواخر2007 وأوائل 2008، عندما وصل السعر إلى 120 دولاراً للبرميل في مايو (أيار) 2008، ثم الذروة في يوليو (تموز) 2008 بـ 147.5 دولاراً للبرميل.
ولكن في أوائل سبتمبر (أيلول) من العام نفسه تراجع السعر إلى 100 دولار للبرميل وفي ديسمبر (كانون الأول) من نفس العام، إلى 40 دولاراً للبرميل.
وجاء سيناريو ارتفاع الأسعار في 2022-2021 نسخة كربونية من ارتفاع 2008-2007. لكن لا توجد مؤشرات على أن الأسعار ستنخفض كما منذ 14 عاماً.
فالمؤشرات تقول، إن الأسعار لن تظل عند مستوياتها العالية الراهنة حتى نهاية العام، وتستمر في العام المقبل، وإنما أيضاً سترتفع إلى مستويات أعلى.
أخيراً يقول خافير بلاس، إن متوسط سعر خام برنت للعام الجاري يبلغ 103 دولارات، في حين كان المتوسط في 2008 حوالي 95.5 دولاراً للبرميل.
وقد ترتفع الأسعار بصورة أكبر في الأشهر الستة المقبلة، ليس هذا فحسب، إذ لا يوجد ما يشير إلى نهاية قريبة لمسيرة الارتفاع.