أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، إصدارة جديدة من مجلة بوصلة السياسات، وهي غير دورية تهدف لمتابعة تطورات السياسات العامة حول العالم، ونقل الاتجاهات المبتكرة وغير المطبقة؛ لدراستها والتعرف على مدى أو فرص إمكانية تطبيقها أو تبنيها في مصر في حالة ملاءمتها ذلك.
سلط هذا العدد من الإصدارة الضوء على “السندات الزرقاء” ومراحل عملية إصدارها ومتطلبات تلك المراحل والعوائد التي يمكن الحصول عليها من عملية الإصدار، وذلك من واقع تجارب الدول الرائدة في ذلك، حيث أشار العدد إلى أن السندات الزرقاء تعد أحد أنواع السندات البيئية والاجتماعية والحوكمة المستدامة إذ يتم استخدامها كإحدى آليات الحفاظ على استدامة الاقتصاد الأزرق، وهي تعتبر التزامًا من الجهة المصدرة باستثمار عوائد السند الأزرق في تمويل أحد المشروعات أو المبادرات المتعلقة بأهداف التنمية المستدامة الخاصة بالانتقال نحو اقتصاد أزرق مستدام، بما يشمل إدارة النفايات البلاستيكية، وتحسين الوصول إلى المياه العذبة وتعزيز استدامة التنوع البيولوجي البحري في المحيطات والبحار وكافة الموارد البحرية.
أشارت الإصدارة إلى مزايا إصدار السندات الزرقاء حيث اشتملت تلك المزايا على تعبئة رؤوس أموال مستثمري القطاع الخاص الراغبين في دعم أهداف التنمية المستدامة إلى جانب توجيهها لدعم الاقتصاد الأزرق، وضمان الاستخدام المستدام للمحيطات والموارد البحرية في الدول الساحلية والصناعات التي تعمل في القطاع البحري.
بالإضافة إلى تعزيز استقرار التصنيف الائتماني للدولة التي تصدر السندات الزرقاء، وتحفيز الحصول على المزيد من الاستثمارات من خلال زيادة عدد خيارات التمويل المتاحة، والحصول على شروط تمويل أفضل، فضلاً عن توجيه عوائد السندات الزرقاء للاستثمار في قطاعات الاقتصاد الأزرق بشكل مستدام، بما يشمل الموانئ والشحن والبنية التحتية ومصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية لتعزيز الأمن الغذائي، والمساعدة في الحفاظ على النظام البيئية المستدامة وتقليل تسرب الكيماويات الزراعية والصرف الصحي في المياه.
وكذلك تعزيز توافق الدولة الاستراتيجي مع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، وبخاصةً الهدف رقم 14 المتعلق بالحفاظ على المحيطات والبحار والموارد البحرية واستخدامها على نحو مستدام، وتوسيع مصادر التمويل من خلال خلق فرص تمويل جديدة طويلة الأجل، فضلاً عن الحصول على دعم عالمي؛ مما يجذب المزيد من الاستثمارات إلى الدولة التي تصدر السندات الزرقاء، سواء في مجال استدامة المحيطات أو في القطاعات الأخرى ذات الصلة، مثل: السياحة والتنمية الاجتماعية، وكذلك تعزيز إمكانية توفير طاقة متجددة باستخدام الطاقة المائية، وذلك من خلال الحفاظ على استدامة الموارد المائية التي تستخدم في توليد الكهرباء.
استعرضت الإصدارة دوافع إصدار السندات الزرقاء والتي تمثلت في حصول الدولة على دعم ومنح وضمانات من مؤسسات دولية عند إصدار السندات الزرقاء، حيث حصلت دولة سيشل على سبيل المثال على 5 مليون دولار من البنك الدولي إلى جانب قرض امتيازي بقيمة 5 ملايين دولار من مرفق البيئة العالمية، وحصلت جزر الباهاما على 200 مليون دولار في 2022 على ضمانات “PBGs” ضد مخاطر التخلف ضد الديون من بنك التنمية للبلدان الأمريكية، أما دولة بليز وقعت على اتفاقية لمبادلة الدين بحماية الطبيعة مع منظمة الحفاظ على الطبيعة وذلك لتخفيض الدين الخارجي بنسبة 10% من الناتج المحلي الإجمالي وحصلت على 553 مليون دولار قيمة إجمالي الدين الخارجي لدولة بليز لإعادة شراء سندات متميزة بسعر مخفض وفي المقابل أصدرت سندات زرقاء بنحو 364 مليون دولار.
ومن أهم الدوافع أيضًا زيادة مساحة المسطحات المائية التي تطل عليها الدولة، وزيادة مساهمة الاقتصاد الأزرق في الناتج المحلي الإجمالي للدولة وارتفاع درجة اعتمادها على المسطحات المائية في توفير الغذاء، حيث بلغ حجم الاقتصاد الأزرق في الصين خلال عام 2019 نحو 8.94 تريليونات يوان صيني (ما يعادل 1.3 تريليون دولار) أي نحو 9٪ من إجمالي الناتج المحلي للصين، فيما بلغ حجم الاقتصاد الأزرق في سيشيل في عام 2018 نحو 433 مليون دولار، أو ما يعادل 27.4% من الناتج المحلي الإجمالي.
وأشارت الإصدارة إلى مراحل إصدار السندات الزرقاء والتي تمثلت في ثلاثة مراحل وهي التخطيط ثم إصدار السندات الزرقاء وما تشمله من متطلبات وفي النهاية تأتي مرحلة المتابعة والتقييم؛ وذلك بهدف ضمان استدامة عملية الإصدار والتأكد من تحقيق الأهداف التي تم وضعها في مرحلة التخطيط مما يسهل من عملية الإصلاح.
كما تناولت الإصدارة نماذج لمبادئ التمويل المستدام التي تسعى لتنظيم الاقتصاد الأزرق، ومبادئ تمويل الاقتصاد الأزرق المستدام تم إطلاقها في عام 2018 بالتعاون بين الاتحاد الأوروبي ووحدة الاستدامة الدولية وبنك الاستثمار الأوروبي وتتضمن توجيهات لإصدارات السندات الزرقاء والإقراض الأزرق بما يشمل كيفية وضع معايير تراعي استدامة حفظ واستخدام المسطحات المائية، وإدارة المخاطر، وإعداد تقارير الإفصاح.
وكذلك مبادئ إرشادات التمويل الأزرق وصدرت عن مؤسسة التمويل الدولية في عام 2022 تتضمن الإرشادات التي اتبعتها المؤسسة في مجال التمويل الأزرق بما يتوافق مع مبادئ السندات الخضراء ودليل الرابطة الدولية لسوق رأس المال، وتهدف إلى تقديم إرشادات متعلقة باستخدام عوائد السندات لدعم الاستثمارات الموجهة إلى الإدارة المستدامة للمياه والصرف الصحي وحماية المحيطات والبحار والموارد البحرية واستخدامها على نحو مستدام.
استعرضت الإصدارة نماذج للدول التي أصدرت السندات الزرقاء حيث ظهرت لأول مرة في عام 2018، حينما أصدرت دولة سيشيل، سندات زرقاء سيادية بقيمة 15 مليون دولار أمريكي لمدة 10 سنوات بمعدل فائدة سنوي بلغ نحو 6.5%، تم تقسيم قيمة عوائد السندات كالتالي: 12 مليون دولار لتطوير اقتصاد أزرق مستدام، 1.5 مليون لتحسين إدارة المصائد ذات الأولوية، 1.5 مليون لتوسيع مناطق المحميات البحرية المستدامة.
وشهدت الصين أول إصدار لسندات زرقاء في آسيا عام 2020 من قِبل بنك الصين، وتميزت عملية الإصدار بكونها مزدوجة العملة حيث بلغت قيمتها الإجمالية نحو 942.5 مليون دولار مقسمة كالتالي، 500 مليون مستحقة في عام 2023 بنسبة فائدة 0.95%، و442.5 مليون دولار مستحقة في 2022 بنسبة فائدة 3.15%.
ناقشت الإصدارة مدى جاهزية الدولة المصرية لإصدار السندات الزرقاء، حيث شهدت سوق السندات المصرية اهتمامًا كبيرًا خلال الفترة الأخيرة، وبلغ حجم السندات المقيدة نحو2.49 تريليون جنيه في شهر يونيو 2022، مقارنةً بنحو 1.87 تريليون جنيه في يونيو 2021.
واتخذت الدولة المصرية عدة إجراءات لدعم وتحفيز سوق السندات في مصر، من أبرزها إطلاق منصة مطورة لتسهيل تداول السندات الحكومية خلال شهر مايو 2021، والتي تعتبر نظامًا متكاملًا يسمح بإجراء كل متطلبات عملية تداول السندات، فضلًا عن إتاحة معلومات أكثر تفصيلًا بشأن الأسعار والعروض والطلبات وتوفير آلية طلب التسعير “RFQ” والتي تسمح للبنوك بتقديم طلبات لتسعير السندات، إلى جانب قيام البورصة المصرية بإطلاق 4 مؤشرات فرعية جديدة خلال شهر فبراير 2022 لقياس أداء أدوات الدين السيادية الأكثر تداولاً والسندات الحكومية المقومة بالجنيه المصري بناءً على فترات استحقاق مختلفة.
تعد مصر رائدة في مجال السندات الخضراء، إذ إنها تعد أول دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تصدر سندات سيادية خضراء، وبلغ حجم أول إطلاق لسندات سيادية خضراء في مصر في سبتمبر 2020 نحو 750 مليون دولار لمدة خمس سنوات وبنسبة فائدة بلغت نحو 5.25%.
ويمكن تحديد مدى جاهزية مصر لإصدار سندات زرقاء وذلك في ضوء، انضمام مصر إلى مؤشر (جي بي مورجان للسندات الحكومية) في أكتوبر 2020، بما يعكس وجود مصر على خريطة الاقتصادات المستدامة وبلغ وزن مصر في المؤشر نحو 1.18%، واستقرار تصنيف مصر في مؤشرات التصنيف الائتماني الدولية، وتبني مصر لاستراتيجية الاقتصاد الأزرق، ومبادرات حماية البحار المنفذة لخدمة الهدف رقم 14 من أهداف التنمية المستدامة.